الصحافة

جنبلاط: أنا لست درزياً

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يطل اليوم وليد جنبلاط على الحشود في المختارة لإحياء الذكرى الـ 48 لرحيل والده. سألني احد أنصار الزعامة الجنبلاطية عما يستوجب هذه الحشود اليوم غير الذي نعرفه عن كمال جنبلاط منذ أن أبصرنا النور؟ لم يكن هناك جواباً جازماً غير الذي يعرفه السائل والمجيب معاً وهو: يحيي مناصرو كمال جنبلاط ذكراه اليوم للمرة الأولى منذ سقوطه صريعاً برصاص فرقة الإعدام التي كلّفها الرئيس حافظ الأسد في 16 آذار 1979. كما تأتي الذكرى، بعدما فرّ نجل القاتل، الرئيس بشار الأسد في 8 كانون الأول الماضي من قصر شيّده رفيق الحريري الذي قتل بدوره بتواطؤ ابن القاتل. كذلك تأتي الذكرى بعد مرور أيام على اعتقال منفذ جريمة قتل كمال جنبلاط، إبراهيم الحويجة على يد حاكم سوريا الجديد أحمد الشرع.

وجاء في الجواب أيضاً: قام جنبلاط الابن بزيارة الشرع بعد أسابيع قليلة من نهاية حكم الديكتاتور. فأعطى جنبلاط إشارة مبكرة إلى أنّ الخيار العربي لا رجعة عنه عند الزعامة التي تمثلها المختارة اليوم. وعنت الإشارة في يوم الزيارة، وتعني اليوم ان فريقا وازنا في طائفة الموحدين الدروز سينطلق مجددا نحو اعلاء راية الأكثرية التي يمثلها الخيار العربي بعد سقوط راية الأقلية التي زيفها الأسد قبل نصف قرن بالقول انها عربية فتبين انها اليوم راية إسرائيلية خفاقة.

شاءت الاقدار ان ابدأ مهنة الصحافة قبل نحو شهرين من اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975. كما شاءت هذه الأقدار أن أكون في عداد الصحافيين، وأنا أصغرهم سنّاً تقريباً في ذلك الحين، الذين واكبوا نشاط كمال جنبلاط الذي صار زعيماً للحركة التي ناصرت الفلسطينيين وسلاحهم الذي كان عنواناً للانقسام اللبناني، ما أعطى الصراع صفة الحرب الأهلية.

وسرعان ما سقطت صفة "الأهلية" عن هذه الحرب بعدما انخرط فيها حافظ الأسد، بداية مواربة عبر تنظيمات فلسطينية موالية كمنظمة "الصاعقة" بزعامة زهير محسن، ومن ثم مجاهرة عندما اجتاحت قوات حافظ الأسد لبنان بضوء أخضر إسرائيلي ومباركة أميركية وغض نظر عربي وتسليم سوفياتي. وبلغت حرب 1975 ذروة لا أهليتها عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982 إلى حدّ محاصرة بيروت كي تنهي الوجود الفلسطيني المسلّح وتفرض رحيله وفي مقدّمه ياسر عرفات على متن بواخر الى المنافي القريبة والبعيدة.

غاب كمال جنبلاط في العامين الأوليين اللذين أعقبا انفجار البركان اللبناني والذي ما زال، من دون مبالغة في القول، يقذف إلى اليوم بحممه. ومضى هذان العامان كما لو أنهما عقدان بحسب العمل الصحفي. كان النهار يتّصل باللّيل الذي يتّصل بدوره بالنهار الذي يليه والأحداث لا تهدأ.

وسأروي ما يبدو أمراً ساذجاً، بعض ما بقي في الذاكرة ولا يغادرها. ذات يوم سأل كمال جنبلاط مجموعة الصحافيين الذين تحلّقوا حوله بالعامية طبعاً: "مين يا عمي بيعرف يدقّ عود؟" أثار السؤال على الفور ابتساماً بلغ حدود الضحك. أين نحن في زمن الحرب وقتذاك، وأي حاجة لآلة العود كي تطلق أوتارها آهات "يا ليل"؟ سارع أحد الزملاء إلى الإشارة اليّ. كنت وقتذاك طالباً في الجامعة اللبنانية. وكنت من بين الهواة في الحفلات التي تتخلّلها الموسيقى وما لها علاقة بالعزف. فبادرني جنبلاط مباشرة بطلب: "ممكن تجيب معك العود تنعزف لرشروشتي" قاصداً الرئيس رشيد كرامي. وهنا انفجر المكان قهقهة. وكانت رسالة جنبلاط من وراء كل هذه المقدمات هو بعث رسالة الى رئيس الحكومة في تلك الفترة حيث لم تكن الأمور بينه وبين المعارضة التي يتزعمها جنبلاط على ما يرام.

تعلّمت في ذلك اليوم أن الابتسام له وظيفة حتى في أحلك الظروف. كما تعلّمت في ما تبقى من رحلة العمل مع جنبلاط أنّ الرجل يستطيع إن أراد أن يقول لا، حتى لو كان يعلم أن الكلفة ستكون غالية. تصرّف جنبلاط على هذا الأساس عندما زار دمشق في رحلته الأخيرة. كنت في عداد الصحافيين الذين واكبوا جنبلاط في هذه الرحلة.

وعندما عدنا أدراجنا معه علمنا أنّ حافظ الأسد خرج مودّعاً زائره وهو يلحّ عليه مبيت ليلته في دمشق ضيفاً له وتناول العشاء معه. رفض جنبلاط الدعوة بتهذيب. وتبيّن لاحقاً كما تشير الكثير من المعلومات إلى أنّ القصّة أكبر من دعوة الى العشاء، بل سبقتها، في اللقاء المطوّل بين حاكم سوريا وزعيم المعارضة في لبنان، دعوة كي ينضم جنبلاط إلى صفّ موالاة الأسد مصحوباً بلائحة طويلة من المكاسب السياسية والنيابية التي سيقدّمها الأخير لجنبلاط. رفض جنبلاط العرض الأخير من الأسد. وبدأ العدّ العكسي منذ تلك الليلة لتنفيذ جريمة 16 آذار 1977.

رسم كمال جنبلاط مسبقاً خطّ التاريخ بين رحيله وبين رحيل نجل القاتل عن دمشق. مضى وليد جنبلاط على هذا الخطّ الذي بدأ بالنسبة إليه بحمل نعش والده إلى الفناء الخلفي لقصر المختارة. وانتهى الخطّ بزيارة وليد جنبلاط قصر الشعب بعد أسابيع قليلة على سقوط الديكتاتور.

سقط كمال جنبلاط في بداية زمن انتقل حكم لبنان الى سوريا. ويشهد وليد جنبلاط اليوم أن زمن حكم لبنان قد عاد إلى لبنان.

وسقط كمال جنبلاط في بداية زمن كان الخيار العربي يعني اختيار الموت على يد نظام الأسد الذي كان خياراً إسرائيلياً منذ نصف قرن. ويشهد وليد جنبلاط اليوم أن زمن الخيار العربي عاد سبيلاً للنجاة من خيارات خطرة آخرها الخيار الإيراني.

وبين زمنين سيقول جنبلاط اليوم: أنا لست درزياً كي تنقلني حافلة إلى الجولان، بل أنا عربيّ يحدثكم من لبنان. 

أحمد عياش-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا